الأزياء والحضارات عبر الزمان

والحضارات , الأزياء , الزمان , عبر

الأزياء والحضارات عبر الزمان

اختبر العديد من الحضارات والثقافات أنماط اللباس وأشكاله. وبمرور الزمن تغيرت تلك الأنماط والأشكال نتيجة الاحتكاك فيما بين المجتمعات المختلفة ونتيجة للتنافس بين أفراد المجتمع الواحد. لكن الأزياء لم تأخذ منهجا ثابتاً في التطور لتصبح تقليعات إلا في أوروبا العصور الوسطى.
ففي القرنين الرابع عشر والخامس عشر ازدهرت التجارة وتوسعت المدن وبرزت تجارة القماش بوصفها التجارة الأكثر ربحاً والتي لعبت دوراً لا يستهان به في النهوض الاقتصادي في أوروبا ما أدى بالتالي إلى ازدهار النخبة المدينية التي تنافست مع نبالة الأراضي ( الإقطاع) لإحراز مواقع اجتماعية وسياسية متقدمة.
وإذا كان البشر ينزعون إلى السلطة والقوة فإن الأزياء هي أحد تجليات ذلك. فهي مزيج من عدد من أشياء في الوقت ذاته. لقد ولدت الأزياء من حقائق صغيرة وميول وحتى سياسات وتحولت إلى حقائق كبيرة، و إلى مرآة يرى البشر أنفسهم من خلالها. هي ليست مجرد ألوان أو زركشات. إنها الحياة بكل تجلياتها وشتى تناقضاتها.
وتصميم الملابس ليس مهنة أو حرفة إنه فن، وفن صعب. فن مركب من يتصدى له يدرك سلفاً بأنه يخلق إنساناً جديداً بكل ما في الكلمة معنى. فحالما يخرج الثوب من القماش يصير حياة. وفي اللحظة التي يحدث فيها ذلك تخلق للمرء شخصية جديدة غير تلك التي ولدت معه . ولا غرو فالأزياء صدفتنا الاجتماعية التي تخفي نقائصنا، وهي منظومة من الإشارات والدلالات التي نعلن من خلالها عن أنفسنا وعن قناعاتنا وعن نوايانا. هي من تشير إلى وضعنا الاقتصادي و طبقتنا الاجتماعية. إنها أسلحتنا وتحدياتنا.
وهي تشير إلى علاقاتنا و إلى وجهات نظرنا حيال الحياة بل وأكثر إنها نظرتنا إلى العالم. إنها ورقة التوت الشائكة التي جعلت من عرينا يبدو أ كثر جلاء.
وبالقدر الذي تعبر فيه الملابس عن ذواتنا فهي أيضا تعبر عن بيئنا وعن وسطنا. إنها تشكلنا. إن بيوت الأزياء وصحفيي الموضة ومجلات الأزياء والمصممين والعارضات والعارضين وأصحاب المحلات كلهم يعتقدون بأنهم ينعمون على الإنسان بتلبية ما يطلب. كما أنهم يعتقدون بأنهم يشكلون الذائقة الفنية والجمالية عند البشر لكنهم لا يعرفون بأن منطق التغيير الحتمي هو من يفرض طراز الملابس.
وإذا كانت الأزياء في بداياتها قد عكست صراعات وتنافسات فيما بين طبقات المجتمع فإنها في أيامنا هذه باتت غريبة، وفي حالة من الفوضى. تراها وكأنها نتف وشظايا من قماش خلت من رمزيتها وتم ارتدائها كيفما اتفق. وكأننا بها التعبير الأمثل عن حالة الشواش التي يعيشها إنسان العصور الحديثة. ولم يعد السؤال ماذا سنرتدي أو كيف، أو ما هي الألوان التي تصلح للألوان الأخرى، ففي أيامنا هذه كل شيء قد يلبس.
طراز الملابس هو تقديم للذات بوصفها موضوعاً فنيا بثلاثة أبعاد ما يعني موقفا جديداً حيال الذات . وإذا سلمنا بأن ارتداء الملابس لا يقتصر على أن يستر المرء جسده فإن المبالغة والقصدية في اختيارها يعني التنكر الواعي الذي يفرضه المرء على ذاته، والتنكر يؤدي إلى الازدواجية في الشخصية. فالمرء هنا يقدم نفسه بوصفه شخصاً آخر.
وإذا كان التنكر بالأزياء يبدأ بلعبة تركز على الشكل، الهدف منها تقديم ذات أخرى و بكل براءة، فإن الأمر لا يبقى عند هذه الحدود بل يتطور إلى شعور المرء بانفصاله عن ذاته الحقيقية. والانفصال هنا طوعي يعطي المرء من خلاله إجازة لذاته الحقيقية وانعتاقا منها. لكن الإجازة هنا لا تقبع في الفراغ إذ سرعان ما يملؤها المرء بشخصية جديدة يتماهى معها. وفي اللحظة التي تتثبت فيها الشخصية الجديدة يفرض على المرء سلوكاً جديداً. وهنا فقط يستمتع المرء بشخصيته الجديدة وبالتالي بسلوكه الجديد ليعاود الكرة مرات ومرات. وفي كل مرة يستمتع بلعب دور جديد. ولا عجب فالحياة متغيرة بل ومتقلبة والإنسان فارسها الأوحد.
في حلته الجديدة يشعر المرء بحرية التصرف فقد مكنته ديكوراته الجديدة من ذلك. وهنا تتحول الإجازة التي يأخذها المرء من ذاته الحقيقية خيالاً دائماً بحيث أن المرء كلما أراد أن يعيش ذواتاً أخرى يسعى إلى تغيير طراز لباسه.
ونجد خير مثال على ذلك في الفنون عامة وفي فن التمثيل على وجه الخصوص. إذ لا يمكن للممثل أن يكون متقناً إلا من خلال دراسته للشخصية التي يؤديها ومن خلال تماهيه معها حتى في الملابس. وإذا كانت الملابس في الماضي انعكاساً لوضع اجتماعي واقتصادي و سياسي وجنسي فقد باتت في أيامنا هذه انعكاسا لحالة من شتات نفسي يعيشها إنسان العصور الحديثة.
في العصر الفيكتوري المحافظ، اعتادت النساء على أن ترتدي الملابس الثقيلة مع الكورسيه الذي كان يشكل حماية لجسدها، بالإضافة إلى تقليعات غريبة من الثياب الداخلية والخارجية المشدودة على جسدها والتي تقول بتحريم هذا الجسد على الغير. إن نظرة البشر إلى الملابس هي في جوهرها جنسانية، ذلك أن العصر يفرض طرازه على الإنسان.

الموضوع الأصلي: الأزياء والحضارات عبر الزمان || الكاتب: حكايه عاشقه || المصدر: منتديات كلك غلا

https://www.klk-gla.com/vb

كلمات البحث

العاب ، برامج ، سيارات ، هاكات ، استايلات

ابداع وتميز وتألق
يعطيكم العافية
لا عدمنا جديدكم
تحياتى