عرض مشاركة واحدة
قديم 09-16-2011, 07:17 PM   #14


يوسفية الملامح غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2428
 تاريخ التسجيل :  Apr 2011
 أخر زيارة : 12-20-2014 (03:39 PM)
 المشاركات : 9,772 [ + ]
 التقييم :  20029
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Firebrick
افتراضي رد: مجلــة الحــج عام 1432 هـ



مقالات منوعه عن الحج




الرحلة إلى الحج والرحلة إلى اليوم الآخر

دكتور عثمان قدري مكانسي

لا أدري لِمَ تنادت نفسي إلى نفسي لتعقد مقارنة بين رحلتين متشابهتين ،
أما الأولى فرحلة لا تتجاوز الحياة الدنيا ، قصيرة ، قد نعرف أكثرها ، حين لمسناها خبراً ممن أدوها وعادوا إلينا ، أو رأيناه عياناً على شاشات الرائي بتفاصيله الدقيقة .
وأما الرحلة الثانية فلمّـا يحن وقتها للحي الذي يعيش على بساط الدنيا ، ولكنها آتية لا ريب فيها ، حاصلة لا شك في حصولها ، إلا أنها الرحلة النهائية عن الحياة ، فلا عودة منها ... رأينا بدايتها ، ولمسنا من القرآن الكريم وحديث الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم ملامحها ...
فهل نعقد مقارنة توضح التشابه الكبير بين الرحلتين ؟ فلنبدأ إذاً بقلوبنا قبل أعيننا ، بأرواحنا وأفئدتنا قبل المحسوس منها لنقتطف العبر والعظات ، فنعيشهما رأيَ البصر والبصيرة ..
اللهم أحيِ قلوبنا وأرواحنا بأفضالك وألطافك في الدنيا ، وتقبل أعمالنا واجعلنا أهلاً لعفوك ومغفرتك في الدنيا والآخرة ، وأبعدنا عن النار ، واكتب لنا رضاك في أرض دنيانا والجنة في الآخرة ..

اللهم آمين ...
1- يخطط المؤمن للحج ويجهز ما يلزمه في رحلته ذهاباً وعودة ، وحركة ومالاً حلالاً ، وقبل ذلك كله يعقد النية على أن يكون عمله خالصاً لوجه الله الكريم ، ويتفقه في مناسك الحج ، ليكون أداؤه صحيحاً مقبولاً .. والمسلم المؤمن يعلم أنه راحل يوماً من الأيام – لا ريب في ذلك – فيحافظ على أداء الفروض من صلاة وزكاة وصيام ، ويعامل الناس بالقسط فلا يظلمهم ، ويحفظ لسانه عن الغيبة والنميمة والإساءة إلى عباد الله ويتقي الله تعالى في كل شاردة وواردة .

2- ينطلق الحاج إلى الأرض المقدسة تاركاً المال والعقارات والأهل والأصحاب طواعية ميمماً وجه الكريم ولا يعلم : أيعود أم لا يعود ، يرى سعادته في أداء المناسك بوجه يرضي المليك ، ويحاسب نفسه ماذا فعل وما ينبغي فعله ، وقد وكل أمره إلى الله ....... ويترك الراحل إلى الآخرة داره وأهله وماله فجأة ميّتاً ، فلا عودة إلى الدنيا أبداً ، وفي القبر يحاسبه الملكان ويريانه مكانه من الجنة أو النار ، نسأل الله العافية وحسن الختام .

3- فإذا وصل الحاج إلى الميقات خلع عنه ثيابه واغتسل ولبس البياض – ثياب الإحرام ليكون فرداً لا يتميز عن سواه بشيء - ونوى الحج وصلى ركعتين وانطلق ملبياً يوحد الله ويخصه بالعبادة وهذا دأب المسلم أينما كان وحيثما ولى وجهه ...ويموت الإنسان إذا حان ميقاته فيخلع عنه أهله ثيابه ، ويغسلونه ، ويكفنونه بالبياض ،ويصلون عليه ، فإذا قبره لا يتميز عن قبور الموتى بشيء .

4- وفي منى يجهز الناس أنفسهم للوقوف بين يدي الله تعالى يوم النحر؛ عرفات على صعيد واحد،، وهناك يسكبون العبرات ، ويسألون الله العفو والغفران ، ويجأرون بالدعاء راجين العفو والرحمة ، فيقول الله تعالى حين ينزل إلى السماء الدنيا للملائكة : هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي وهم لم يروني فكيف لو رأوني ، فلو كان علينا مثل رمل عالج ذنوبا أو قطر السماء أو عدد أيام الدنيا غسلها عنا سبحانه من عفو غفور ، وفي مزدلفة يشتد الدعاء والرجاء أن يعفو الكريم عن الذنوب ويقبل عباده في الصالحين ... مواقف ثلاثة يقف فيها الحاج يسأل الله تعالى ما أحب من خير الدنيا والآخرة .... ويوم القيامة مواقف متعددة أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم ، موقف لا يُسألون فيه " فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ، فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جانّ " وموقف توزع فيه الصحف على العباد ويُسألون عما فيها " فوربك لنسألنّهم أجمعين عما كانوا يعملون " وهم عريُ غُرلٌ ، لا يملكون من أمورهم شيئاً " والأمر يومئذ لله " بل الأمر في الدنيا والآخرة بيد الله ، يصرّف الأمور كيف يشاء . ويوم على الصراط ، ويوم .والأخرة يوم طويل ذو مواقف متعددة

5- وفي منى على مدى ثلاثة أيام يرمي المسلمون الجمرات ، ويعلنون براءتهم من الشيطان وأتباع ااشيطان ويرمون - برمي إبليس - وساوسـَه ويعلنون عصيانه ويتمسكون بطاعة الله تعالى ، فما يرى يومٌ إبليسُ فيه مَخزي كذلك اليوم ، يقول : أتعبت نفسي وأتباعي بإغوائهم وإضلالهم ، ويغفر الله لهم هذا اليوم . ... وحين يحمل المسلمون كتبهم بأيمانهم فائزين بالجنة ناجين من النار يوم القيامة يُرى إبليس والشياطين خزايا أذلاء ، يساقون إلى النار ومن تبعهم ، .. وقد أفلح في الدنيا من رجم إبليس كل يوم ، وعصاه فدحَره حسيراً خزيان ، وكان هو من أهل الجنة والرضوان .

6- يحج المسلمون إلى مكة والبقاع الطاهرة ، ويحج الفسقة والكافرون والمنافقون إلى أهوائهم وملذاتهم ، فإذا هم فريقان متنافران قلوباً وإن اجتمعوا أشباحاً وأجساماً .... ويوم القيامة يُفصل بين الطرفين " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم " ويقول تعالى " ويوم تقوم الساعة يومئذٍ يتفرّقون " بل إن المنافقين الذين كانوا يصلون في المساجد رياء يُفصلون عن المؤمنين لأنهم ليسوا منهم " يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا : انظرونا نقتبس من نوركم ،
قيل : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً ، فضُرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمةوظاهره من قِبَلِه العذاب . ينادونهم : ألم نكن معكم ؟
قالوا : بلى ، ولكنكم فتنتم أنفسكم ، وتربصتم وارتبتم ، وغرتكم الأمانيّ ، حتى جاء
أمر الله وغرّكم بالله الغَرور. فاليوم لا يُؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ، مأواكم النار ، هي مولاكم وبئس المصير "

7 – الكون كله يدور بإذن الله تعالى وقدرته ، فهو بيد من خلقه وأبدعه . وحياة البشر كذلك تدور حول مرضاة الله ، فتلتزم طاعته بالعمل بما أمر والانتهاء عما نهى ، ومن رموز طاعته سبحانه بيته العتيق يتوجه إليه المسلمون من كل أنحاء المعمورة بصلاتهم ودعائهم ، ثم يحجون إليه معلنين العبودية لرب هذا البيت المبارك . ويطوفون حوله بأجسادهم وقلوبهم ، ثم يسعون بين الصفا والمروة سعياً حثيثاً ملبـّيـن داعين ، ويردد الكون معهم التلبية والدعاء ....وفي اليوم الآخر ترى البشرية محشورة في صعيد واحد لا ترى فيه اعوجاجاً ولا ارتفاعاً قلوبهم وألسنتهم متصلة بالله .. المسلمون يسألون الله أن ينجز وعده لهم – إذ أفردوه بالوحدانية – بالنجاة من النار والفوز بالجنة وتراهم يسعون بين الأنبياء ليشفعوا لهم من الموقف العصيب ، فيتنصل آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام من الشفاعة العظمى ، ويتصدى لها الحبيب محمد فيقول : أنا لها، انا لها .

8- وترى المسلمين عائدين من رحلة الحج وقد غفر الله تعالى لهم بفضله ومنّه وعظيم كرمه ، يستقبلهم أهلوهم بالفرح والشوق والعناق ، ويحق لهم هذا الاستقبال الطيب ، فقد عادوا كيوم ولدتهم أمهاتهم ، لا ذنب لهم ولا آثام ليستقبلوا حياة الطهر والاستقامة كما وعدوا ربهم سبحانه في حجهم إلى بيته حتى إذا ما لقوه في الرحلة إلى الآخرة كان راضياً عنهم فاستقبلهم استقبالاً حسناً إن شاء الله ... وفي اليوم الآخر بعد الحساب – ولا حساب إن شاء الله ، بل هو عرض وعفو وكرم – وبعد المرور على الصراط والوقوف أمام أبواب الجنة الثمانية – كل حسب الباب الذي يناسب أحسن أعماله – يدخلون الجنة فينطلقون إلى مساكنهم التي أعدها الله لهم ، فهم يعرفونها أكثر مما يعرفون بيوتهم في الدنيا ، فتستقبلهم الملائكة قائلين " سلام عليكم ، طبتم فادخلوها خالدين " وترى الولدان المخلدين وخدّامهم ونساءهم من أهل الجنة يرحبون بهم أجمل ترحيب ، " لهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون . " .

9- ويعود الحاج إلى عمله في الدنيا يراقب الله سبحانه وتعالى ، ويعمل صالحاً ليبقى على صفائه ونقائه ، فيكون نموذجاً إيجابياً للمسلم العامل التقي الناصح ، ويثابر على حياته الزكية هذه حتى يلقى الله رضيّاً .. وفي جنة الخلد يعيش المسلم في أمن وأمان ، وجنة رضوان يتنعم بما أكرمه الله عز وجل ، يغدو في جنة لا تعب فيها ولا نصب ، وخير ما يلقاه في الجنة بعد أن نضّر الله وجهه ، ورزقه الطيبات أن يتجلّى ربه عليه فيزيد نضرة وبهاء ، وحُسناً وجمالاً . وأَلقاً وتألّقاً " للذين أحسنوا الحسنة وزيادة " فالجنة هي الحسنى ، والزيادة رؤية وجه الله الكريم .. فطوبى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .



.............................. ......


الحج عَبرَةٌ وعِبرَة

عبد الرحمن بن محمد السيد

الحج .. تلك الشعيرة العظيمة .. والعبادة الجليلة .. التي يجتمع فيها أكثر من ثلاثة ملايين مسلم ( تقريباً ) .. يجتمعون بلباسٍ واحد .. ومكانٍ واحد ..

الحج .. تلك الطاعة التي يجتمع فيها : الشريف والوضيع .. الغني والفقير .. القويُّ والضعيف .. الذكر والأنثى .. لا يتفاضلون بغير التقوى .. ولا يتميزون بسِوى الطاعة ..

الكل ينادي : لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك .. لا شريك ..

الكل يقول : ربِّ اغفر لي .. ربِّ ارحمني .. ربِّ تب عليّ .. ربِّ تقبَّل منِّي ..

الجميع يهتف : اللهم ارضَ عنِّي .. اللهم أدخلني الجنة .. اللهم أجِرني من النار .. اللهم توفَّني على الإيمان ..

في الحقيقة .. لا يملكُ الإنسان عَبرَته ودمعته وهو يشاهد تلك الجموع المجتمعة والوفود المحتشدة .. وهي تجتمع لتلبية نداء الله عز وجل لها على لسان نبيِّه إبراهيم عليه السلام : ( وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كلِّ ضامر ) ..

أما يومُ عرفة .. وما أدراك ما يومُ عرفة .. ذلك اليوم العظيم الرهيب .. الذي يباهي به الله الملائكة .. ففي المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( إن الله عز وجل يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبرا .. ) .

إنه يومُ الغفران .. يومُ انحطاط الذنوب والنكران .. يومُ عتِق الرقاب من النيران .. فاعتبروا يا أولي القلوب ..

في الحج .. يُسكَبُ العطر الحلال ( دموع التوبة ) .. وتنادي أصوات العصاة والمذنبين : ربنا إنا تبنا إليك .. فاقبلنا يا من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .. فيأتي الجواب الرباني : ( أُشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم ) ..

في الحج .. عَبرَةٌ تسقطُ من أهل التقوى والإيمان .. وعِبرةٌ لأولي الأبصار والألباب ..

في الحج .. عَبرَةُ تنزِل من أصحاب الذنوب والعصيان .. وعِبرةٌ لمن يعتبر من أهل الفجور والشهوات ..

في الحج .. تُسكَب العبَرَات .. وتتنزل الرحمات .. وتفيض العطايا والهِبات .. وتُمنَح الهدايا والشهادات .. ( أُشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم ) ..

في الحج .. تتآلف القلوب وتجتمع .. وتتعاظم النفوس وترتفع .. وتذلُّ الأفئدة لربها وتنخلع ..

في الحج عَبرَةٌ وعِبرَة .. ودمعةٌ وبسمة .. فيا أيها الحجاج : أبشروا واطمئنوا .. واجتهدوا وثابروا .. واحرصوا على اغتنام لحظاتكم وأوقاتكم .. وتجنبوا اللَّغط واللغو .. ولْيكن شعاركم ( فلا رفَثَ ولا فسوق ولا جدال في الحج ) فإنما هي أيامًٌ معدودات .. ثم ترجعون بجائزة ( رجع من ذنوبه كيومِ ولدته أمه ) .. فالله أكبر وأكرم وأجلُّ وأعظم يا معشر الحجاج ..

لبَّيك اللهم لبَّيك .. لبَّيك لا شريك لك لبَّيك .. لبَّيك وسَعَديك والخير بيديك .. والرغباء والعمل إليك .. لبيك حجةً حقاً .. تذلّلُاً ورقاً ..


وكتبه / عبد الرحمن بن محمد السيد
21 / 11 / 1428 هـ


.............................. ...............


رفقاً بالحجاج..!

يسري صابر فنجر

خرج حجاج بيت الله الحرام من بيوتهم وبلادهم قاصدين بيت الله الحرام لأداء نسكهم.. وهناك حملات داخلية وخارجية قد فتحت أبوابها لاستقبالهم وتسجيل أسمائهم، وفي خضم العائد التجاري والنفع المادي قد تتناسى بعض تلك الحملات بل غالبها الغايات الأخروية والنوايا الطيبة التي هي خير لهم مما يجمعون ومنها:

أولاً: أن هذا الحاج الذي قصد التعاقد معهم ما قصدهم إلا لإعانته على أداء نسكه دون الدخول في وعود وهمية أو كلام لا يتحقق؛ فليكونوا أهلاً لتلك الإعانة أو ليفسحوا الطريق لمن هو أهل لها.

ثانياً:
أن إعانة الحاج لها من الفضل الجزيل والثواب العظيم حتى مع العائد المادي لمن نواها وأخلص لها.

ثالثاً:
"ذهب المفطرون اليوم بالأجر" قالها النبي صلى الله عليه وسلم لما كان مع أصحابه في سفر حر شديد ومعه من هو صائم ومفطر، فسقط الصوام ولم يعملوا شيئاً، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فما بالك بمن يسقي الحجاج ويضرب أبنيتهم ويقوم على خدمتهم؟!

رابعاً:
في فضل سقيا الحاج روى البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا فَقَالَ اسْقِنِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ قَالَ اسْقِنِي فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا فَقَالَ اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ قَالَ لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ يَعْنِي عَاتِقَهُ وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ.

خامساً:
قال مجاهد: صحبت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في السفر لأخدمه فكان يخدمني وكان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتناما لأجر ذلك منهم: عامر بن عبد قيس، وعمرو بن عتبة بن فرقد مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما، وكذلك كان إبراهيم بن أدهم يشترط على أصحابه في السفر الخدمة والأذان، وكان رجل من الصالحين يصحب إخوانه في سفر الجهاد وغيره فيشترط عليهم أن يخدمهم فكان إذا رأى رجلا يريد أن يغسل ثوبه قال له: هذا من شرطي فيغسله، وإذا رأى من يريد أن يغسل رأسه قال: هذا من شرطي فيغسله.

سادساً:
كان ابن المبارك يطعم أصحابه في الأسفار أطيب الطعام وهو صائم، وكان إذا أراد الحج من بلده مرو جمع أصحابه وقال: من يريد منكم الحج؟ فيأخذ منهم نفقاتهم فيضعها عنده في صندوق ويقفل عليه ثم يحملهم وينفق عليهم أوسع النفقة ويطعمهم أطيب الطعام ثم يشتري لهم من مكة ما يريدون من الهدايا والتحف ثم يرجع بهم إلى بلده، فإذا وصلوا صنع لهم طعاما ثم جمعهم عليه ودعا بالصندوق الذي فيه نفقاتهم فرد إلى كل واحد نفقته.

سابعا:
قد خرجت الحملات بعدد لا بأس به من الحجيج فينبغي استغلال ذلك باتباع برنامج دعوي نظري وعملي من حين خروجهم إلى عودتهم يحثهم على اغتنام أوقاتهم في الخير وأزمانهم في البر فلعلهم يعتادوا ذلك وينتفعوا به بعد عودتهم.

أعمال البر لا حصر لها ولا عدد؛ فهذا موسم خير قد أهلت بشائره وتسابق فيه المتسابقون، وهناك نوايا طيبة وخطوات صالحة لأهل الخير كثر الله سوادهم وشملهم بعفوه ومغفرته وأجزل لهم المثوبة، ونسأل الله البر والتقوى ومن العمل ما يرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



.............................. ...........


أصحاب حملات الحَجِّ وصاحب المِحْجَنِ

هيثم حيدر

عن ‏جَابِرٍ رضي الله عنه أنَّ ‏رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏قال في الحديث الذي بيَّن فيه ‏مَا عُرِضَ عَلَبه‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّار، قالِ: «... مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلاَّ قَدْ رَأيْتُهُ فِي صَلاتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأيْتُمُونِي تَأخَّرْتُ مَخَافَةَ أنْ يُصِيبَنِي مِنْ ‏‏لَفْحِهَا، ‏وَحَتَّى رَأيْتُ فِيهَا ‏‏صَاحِبَ الْمِحْجَنِ [1] ‏‏يَجُرُّ قُصْبَهُ [2] ‏‏فِي النَّار، كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، ‏‏فَإنْ ‏ ‏فُطِنَ لَهُ [3] ‏قَالَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ» [رواه مسلم].

وفي رواية عن ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بن العاص ‏‏رضي الله عنهما قال: قال رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... ‏وَرَأيْتُ صَاحِبَ الْمِحْجَنِ ‏‏مُتَّكِئًا فِي النَّارِ عَلَى ‏‏مِحْجَنِهِ ‏كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ ‏‏بِمِحْجَنِهِ ‏‏فَإِذَا عَلِمُوا بِهِ قال لَسْتُ أنَا أسْرِقُكُمْ إِنَّمَا تَعَلَّقَ ‏بِمِحْجَنِي» [رواه أحمد] [4].

وفي رواية ثالثة عن ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ‏رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَحَتَّى رَأيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ ‏‏الَّذِي كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ‏ ‏بِمِحْجَنِهِ ‏‏مُتَّكِئًا عَلَى ‏‏مِحْجَنِهِ ‏‏فِي النَّارِ يَقُولُ أنَا سَارِقُ‏‏ الْمِحْجَنِ» [رواه النسائي] [5]

فصاحب المِحْجَنِ هذا جمع بين إثمين عظيمين: إثم السَّرقة، وإثم التَّعدي على وَافِدِ الله ضَيْفِ الرَّحمن سبحانه وتعالى.

نعم، فالحَاجُّ ومثله المُعْتَمِرُ وَفْدُ الله تعالى، كما عَنْوَن ابن خزيمة في صحيحه فقال: (باب فَضْلُ الحَجِّ إذْ الحَاجُّ مِنْ وَفْدِ الله عَزَّ وجَلَّ)، وعَنْوَن ابن حبان في صحيحه قال: (ذِكْرُ البيان بأن الحَاجَّ والعُمَّارَ وَفْدُ الله جَلَّ وعَلاَ)، وأورد الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه‏ قال: قال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم‏: «وَفْدُ [6] الله عزَّ وجلَّ ثَلاثَةٌ: الْغَازِي، وَالْحَاجُّ، وَالْمُعْتَمِرُ» [رواه ابن حبان [7]، والنسائي [8] واللفظ له].

وعن ‏ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏قال: «‏الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْحَاجُّ، وَالْمُعْتَمِرُ وَفْدُ اللَّهِ دَعَاهُمْ فَأجَابُوهُ وَسَألُوهُ فَأعْطَاهُمْ» [رواه ابن ماجه] [9].

«وَفْدُ الله» أي: السائرون إلى الله القادمون عليه سبحانه وتعالى، أي: زُوَّارُ الله عَزَّ وجَلَّ، أي هم: ضيوف الرحمن، فهم بِسَفَرِهِمْ قَاصِدُونَ التَّقَرُّب إِلَى اللَّه تَعَالَى ونيل ثوابه ورضاه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : "لو يَعَلَمُ المُقِيمُونَ مَا لِلْحَاجِّ عليهم مِنَ الحَقِّ لأتَوْهُمُ حين يَقْدُمُونَ حتى يُقَبِّلُوا رواحلهم لأنَّهم وَفْدُ الله تعالى من جميع الناس". [رواه البيهقي] وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه لقي قوما حُجَّاجًا، فقالوا: إنّا نريد مكة، فقال: إنّكم من وَفْدِ الله، فإذا قَدِمْتُمُ مَكَّةِ فَاجْمَعُوا حاجاتكم فَسَلُوهَا الله. [رواه ابن أبي شيبة]

وتأمل جيدا وتفكَّر في هذا الحديث القدسي العظيم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عزَّ وجلَّ: إنَّ عَبْداً صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِيِ المَعيشَةِ، تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أعْوَامٍ لا يَفِدُ إليَّ لَمَحْرُومٌ» [رواه ابن حبان والبيهقي]. [10]

«يَفِدُ إليَّ»، فالحجيج وَفْدُ الله تعالى، هُمْ له راغبون، وفي طلب ثوابه مسافرون، وإلى بيته الحرام سائرون، بيته الذي جعله مثابة للناس وأمنا وهدى ورحمة للعالمين، كما قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَـا الْبَيْتَ مَثَابَـةً لِلنَّاسِ وَأمْنًـا} [البقرة:125]، و{وَأمْنًـا} أي: مَأمَنًا يأمنون فيه على أرواحهم وأموالهم، فالأمن في اللغة تعني السلامة من الخوف، ومن جميل أشعار المسلمين:


مَنْ يُتْحِفُ البيت العتيق وزمزماً *** والوَفْدُ وَفْدُ الله فيه يَنْزِلُ
مُتَسَابِقِينَ إلى مَثَاَبِة رَحْمَةٍ *** مِنْ كُلِّ مَا حَدْبٍ إليه تَنْسِلُ
هُيَّماً كأفْوَاجِ القِطَا [11] قَدْ سَاقَهَا *** ظَمَأٌ شَدِيدٌ والمطاف المنهل
مِنْ كُلٍّ مَرْفُوعُ الأكُفِّ شراعة *** والقلب يخفق والمدامع تَهْمِلُ
النبي صلى الله عليه وسلم يُبَيِّنُ أن سرقة الحَاج إثم وعار:

عَنْ نَافِعٌ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ : «غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» [رواه البخاري].
قال ابن حجر في فتح الباري: "إنَّ بَنِي غِفَار كَانُوا يَسْرِقُونَ الْحَاجّ فِي الْجَاهِلِيَّة فَدَعَا لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد أنْ أسْلَمُوا لِيَمْحِيَ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْعَار". أ.هـ

فرغم أنّ «الإسْلامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» [12] من الذنوب والآثام مهما كبرت وعظمت، ويَجُبُّ: أي يُزِيِلَ عينه ويمحو أثره كأنّه لم يكن، إلاّ أنّ استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة غِفَارٍ بعد إسلامها فيه إشارة واضحة على عِظَمِ الذنب وفداحة الإثم الذي آتوه، وهو سرقة الحَاجّ الذي آتى بيت الله الآمن، وبيان أن ذلك إثم وعار يلحق فاعله.
وصَدّقَ الله العظيم إذ قال: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]. [13]

اللِصٌّ النظيف [14] وأصحاب حملات الحَجِّ:

انتبه وتأمل، إنّ صَاحِبَ الْمِحْجَنِ الذي ‏‏يَجُرُّ قُصْبَهُ (ذكرنا أن قُصْبَهُ تعني: أمعائه) ‏‏فِي النَّار لأنّه كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، ‏‏فَإنْ ‏فُطِنَ لَهُ ‏قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، هو في مصطلح وعُرْف القانون الآن يسمى باللص النظيف، فهو لم يقتل أو حتى يضرب ويَجْرَحَ أحد من النّاس أذية بدنية، وهو لم يتسور بيتا ويهتك حرمته، أو يكسر باب دُكَان أو أي بناء مصون لصاحبه، ولم يحمل السلاح ويُهدد ويُروع من قام بسرقتهم، ولكن مع هذا فقد احتمل بهتانا وإثما عظيما ذلك أنّه تعدى على وافد الرحمن وضيف الله تعالى، وهذه جريمة تفوق بشاعتها بشاعة جريمة السرقة، وعليه يجب أن يحذر ويحذر ويحذر أصحاب حملات الحَجِّ من أن يُحشروا مع صاحب المِحْجَنِ إذا تَعدَّوا على ضيوف الرحمن بالنصب والاحتيال، بأن يُمنُّوهُم ويُوعدوهم بخدمات ومميزات سيقدمونها لهم في الحَجِّ، وهي لا تعدوا أكاذيب لسرقتهم والاستيلاء بالتحايل والنصب على أموالهم.

رَايَةُ المَلَك، وَرَايَةُ الشَّيْطَان:

عن أبي هُرَيْرَةَ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ يَعْنِي مِنْ بَيْتِهِ إلاَّ بِيَدِهِ رَايَتَانِ، رَايَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ، وَرَايَةٌ بِيَدِ شَيْطَانٍ، فَإنْ خَرَجَ لِمَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اتَّبَعَهُ الْمَلَكُ بِرَايَتِهِ فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ رَايَةِ الْمَلَكِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، وَإنْ خَرَجَ لِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ اتَّبَعَهُ الشَّيْطَانُ بِرَايَتِهِ فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ رَايَةِ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ» [رواه أحمد]. [15] فمن خَرَج حَاجًّا أو في خدمة الحَجِيج فهو ينعم بظل راية المَلَك فيالها من عِزَّة وكرامة، ويَالَهُ من أجر وثواب، ومن خرج في نهب الحَاجِّ بالنصب والاحتيال عليه فهو يشقى تحت ظل راية الشيطان فيالها من ذِلَّة ومهانة وياله من إثم وعقاب.

فائدة هامة: احذر أن يدخل بطنك شيئا من الحرام:

صاحب المحجن الذي كان يسرق الحَاجَّ رآه النبي صلى الله عليه وسلم «‏‏يَجُرُّ قُصْبَهُ ‏‏فِي النَّار» و قُصْبَهُ أي: أمعائه، فلماذا أمعائه دون سائر أعضاء جسده ومكونات جسمه هي التي يَجُرُها في النار؟

لأنّ أمعاءه هذه كانت في الدنيا مُسْتَقَرَ المال الحرام الذي كان يسرقه من الحَاجِّ، ومنها نَبَتَ لحمه، وصَحَّ بدنه [16]، وقَوِيَت أعضاءه، واستمع إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أنّه سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ الإنْسَانِ بَطْنُهُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ أنْ لاَ يَأكُلَ إلاَّ طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ» [رواه البخاري].

‏يُبين الحديث أنّ أول ما يُنْتِنُ من الإنسان بعد موته بطنه، والنَّتَنِ هو التَّعفن يصحبه رائحة كريهة، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا ويأمرنا أن لا نأكل ونُدخل بطوننا إلاّ الحلال، والحلال فقط، كي لا يكون مصيرنا كمصير صاحب المِحْجَنِ الذي ملأ بطنه من الحرام، وعموما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ النارَ مصيرُ من ربا لحمه من الحرام فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ‏رضي الله عنه قَالَ: ‏قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ‏ ‏كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ ‏ ‏إِنَهُ لا يَرْبو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ ‏ ‏سُحْتٍ ‏إلاَّ كَانَتْ النَّارُ أوْلَى بِهِ» [رواه الترمذي]. [17]

والسُّحْت أي: الحرام، وسُمي المال الحرام سُحْتاُ لأنه يَسْحَتُ صاحبه، أي: يَمْحق منه البَركة، تقول العرب: فلان بطنه سُحْتٌ أي: أنّه يأكل ولا يشبع، فطعامه منزوع البركة لأنّه من مال حرام، فالمال الحرام لا بركة فيه، ومهما كثر فإنّ حائز المال الحرام لاَ ولَنْ يشبع ويرتاح في الدنيا، وفي الآخرة يكون ـ والعياذ بالله ـ زاده إلى النّار.

فاللّهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك .



.............................. ..........



هنيئا لكم يا أهل مكة الجوار فأين حقه ؟!

د/ أميرة بنت علي الصاعدي
أستاذ مساعد بجامعة أم القرى


رسالة أبعث بها إلى كل من أكرمه الله تعالى بمجاورة هذا البلد الحرام ، إلى كل من وفقه الله وامتن عليه بالعيش في هذه الأرجاء الزكية ، وعلى هذه التربة النقية ، والديار الآمنة المرضية ..
إن السكنى في هذا البلد الحرام هبة جليلة ... ونعمة جزيلة ... وفضل من الله عظيم .
كفى نعمة ( أو لم نمكن لهم حرماً آمناً ) إنها منحة إلهية ...
كفى نعمة ( يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ) .. ثمار يانعة ... وفواكه متنوعة .. تجبى إليك في هذا البلد الآمن من شتى أنحاء الدنيا ..


يا رب أطعمتنا من كل فاكهة *** تجبى إلينا بلا كد ولا تعب
وأنسنا بجوار البيت منزلة *** أغلى من الدور والياقوت والذهب
يا أهل الجوار : أنتم عند بيت تسكب فيه العبرات ... وتحط فيه الخطيئات .. وتضاعف فيه الحسنات .. وتعظم فيه السيئات .
أنتم في بلد ولد فيها خير خلق الله محمد رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. وعاش فيها أغلب عمره ... ولامست رجلاه الكريمتين ترابها ... وكلمته أحجارها ,,, وعرفته جبالها ووديانها

يا مكة الخير يا أرض المسرات *** يا مشرق النور يا مهد النبوات
يا درة في جبين الكون ساطعة *** ويا عبيرا لأرواح زكيات
وكيف لا ننتشي شوقا إلى بلد *** نهفو له كل يوم خمس مرات
يا أهل مكة : مجاورة البلد الحرام نعمة ، والنعم تدوم بالشكر ، والشكر يكون بالقول والعمل .

يا أهل مكة إليكم هذه الوصايا ... وفاءً بحق الجوار ... وامتناناً بالفضل والأمان :

تعظيماً للبلد الحرام ليقم الكل بواجبه على أكمل صورة وأحسن حال .
تعظيماً للبلد الحرام اخلص في عملك ... وليزداد إخلاصك لأنك في البلد الحرام .
تعظيماً للبلد الحرام لا تزعج ساكنيها بنغمات الجوال والموسيقى والأصوات الصاخبة .
تعظيماً للبلد الحرام اترك التدخين ... ولا تسمع الغناء .
تعظيماً للبلد الحرام لا تجاهر بالمعصية ، فالمعاصي حرام ، وفي البلد الحرام أشد حرمة .
تعظيماً للبلد الحرام أمط الأذى عن الطريق ... ولا تلق الأذى ، ولا تتفل ولا تتمخط في الطريق، لأنك في البلد الحرام .
تعظيماً للبلد الحرام لنكن قدوة حسنة في البلد الحرام .


.............................. ............



من الأبعاد التربوية لفريضة الحج
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ سيد الأولين والآخرين ، وعلى آله وصحبه والتابعين ، وبعد ؛
فالحج ركن من أركان الإسلام الخمسة ، وفريضة افترضها الله تعالى على عباده لمن استطاع إليه سبيلا . وهو مؤتمر تربوي وموسم تعليمي على الأمة المسلمة أن تستفيد منه وأن تخرج منه بأكبر قدرٍ من الفوائد والمنافع التي تترتب على مختلف الأبعاد التربوية لهذه الفريضة العظيمة التي تنعكس آثارها ونتائجها على سلوك وتربية الإنسان المسلم وحياة المجتمع الإسلامي . ولعل من أبرز الأبعاد التربوية لفريضة الحج ما يلي :

أولاً /تربية الإنسان المسلم على تعظيم حرمات الله جل وعلا : فعلى المسلم الذي يأتي حاجًا أو معتمرًا إلى هذه البقاع المقدسة أن يعظم حرمات الله وأن يعرف لهذه المشاعر حقها فيخلص العبادة فيها لله وحده لا شريك له ، وأن يعلم أنه بدخوله الديار المقدسة إنما يدخل في معاهدة سلام مع الوجود كله لأن الله تعالى أمر عبادة بأن يكون حرَمُه أمناً ، والمعنى أن من دخله كان آمنًا على نفسه وعرضه وماله ؛ وليس هذا فحسب بل إن الحيوان والنبات وما في حكمهما يشترك في هذه المعاهدة الأمنية التي يؤكدها قوله تعالى : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } ( سورة آل عمران : من الآية 97 ) .
وهذا فيه بُعدٌ تربوي إنساني يفرض على الحاج والمعتمر أن يكون في رحلته إلى هذه الديار المقدسة عاقدًا العزم على تعظيم حرمات الله تعالى ، وعدم إيذاء من فيها من الكائنات ، وما فيها من المكونات لما يترتب على ذلك من الوعيد الشديد بالعذاب الأليم الذي جاء في معنى قوله تعالى : { ومن يُرد فيه بإلحادٍ بظُلمٍ نُذِقه من عذابٍ أليم } ( سورة الحج : 25 ).

ثانيًا /تحقيق معنى الإخلاص الكامل لله وحده لا شريك له
وهو ما يمكن أن يتحقق للإنسان المسلم عندما يقصد هذه الديار المقدسة متجرداً من كل الأغراض الدنيوية والغايات الحياتية ، وعندما تكون غايته مُتمثلةً في طاعة الله تعالى والامتثال لأمره سبحانه ، والطمع في مرضاته جل في علاه . وهذا فيه بُعدٌ تربوي ذاتي يتمثل في أهمية تربية النفس البشرية على إخلاص النية وصلاح الطوية في مُختلف الأقوال والأعمال فرديةً كانت أو جماعية .

ثالثاً /تربية الإنسان المسلم على الامتثال والإتباع لهدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم
الذي صح عنه أنه قال : "خذوا عني مناسككم " . ولا يكون هذا الإتباع للسنة النبوية إلا بسؤال أهل العلم الموثوق في دينهم وأمانتهم ، ومعرفة الكيفية الصحيحة لأداء المناسك والشعائر المختلفة ، والابتعاد عن البدع والضلالات ، وتصحيح الأخطاء التي يقع فيها كثيرٌ من الحجاج بقصدٍ أو بغير قصد .
وهنا بعدٌ تربويٌ روحيٌ عظيمٌ يتمثل في أن تمام العمل لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان موافقاً للمنهج الصحيح المستمد من كتاب الله العظيم وسنة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

رابعاً /تدريب النفس البشرية خلال رحلة الحج على الالتزام بالنظام والانضباط السلوكي لما يترتب على ذلك من إنجاح هذا الموسم العظيم
، عن طريق الالتزام الفردي والجماعي بالتعليمات ، والبُعد عن الفوضى ، والحرص على إتباع إرشادات السلامة ، والمشاركة الفردية والجماعية في التنظيم ، والحرص على التوعية الشاملة الصحيحة التي تكفل بإذن الله تعالى لكل من التزم بها أداء َ شعائر الحج ومناسكه أداءً سليماً . وفي هذا بُعدٌ تربويٌ تنظيمي يربي النفوس على الدقة والنظام ، والالتزام بهما في مختلف شؤون الحياة .

خامساً /تربية المسلم نفسه على حسن التعامل مع إخوانه الذين تربطه بهم رابطة الأخوة الإيمانية المتمثلة في قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ( سورة الحجرات : من الآية 10 )
. وفي هذا بُعدٌ تربوي أخلاقي يفرض على الحاج والمعتمر والزائر أن يحسن التعامل مع إخوانه ، وأن يتخلق معهم بالأخلاق الحسنة ، وأن يُحسن مصاحبتهم ومعايشتهم ، وأن يتحمل ما قد يحصل منهم من أخطاء أو نحو ذلك بأن يتعامل مع الموقف في حدود وضوابط الأخوة الإيمانية التي جمعتهم جميعاً في هذه البقاع الطاهرة ضيوفاً للرحمن في حرم الله الآمن يطلبون رحمته ويسألونه غفرانه .

سادساً /تربية الإنسان المسلم على حب الخير للجميع انطلاقاً من مبدأ محبة المسلم لأخيه المسلم والعمل على إتاحة الفرصة لآخرين من المسلمين الذين لم يسبق أن تيسرت لهم فرصة أداء مناسك الحج والعمرة والزيارة ، والذين هم في شوقٍ شديدٍ وحاجةٍ ماسةٍ إلى مساهمة إخوانهم في تحقيق هذا الأمل الذي تنشده أنفسهم ، وتهفوا إليه أفئدتهم . وهذا فيه بعدٌ تربويٌ اجتماعيٌ يتمثل في تحقيق انتماء الفرد المسلم إلى مجتمعه الإسلامي الذي يعيش فيه ، ويتفاعل مع من فيه وما فيه ، فيفرح لفرحهم ويتألم لألمهم .




 
 توقيع : يوسفية الملامح

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس