الموضوع: غزوة تبوك
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-12-2016, 11:48 PM   #7


لؤلؤة الخليج غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1092
 تاريخ التسجيل :  Jun 2010
 أخر زيارة : 08-25-2016 (11:07 PM)
 المشاركات : 16 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: غزوة تبوك



إثباط للعزيمة

عندما أعلن الرسول النفير ودعا إلى الإنفاق في تجهيز هذه الغزوة، أخذ المنافقون في تثبيط همم الناس قائلين لهم: لا تنفروا في الحر، فأنزل الله تعالى فيهم: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [29] وقال رسول الله وهو في جهازه لتبوك، للجد بن قيس: «يا جد، هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟» فقال: يا رسول الله أوتأذن لي ولا تفتني؟ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبًا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر، فأعرض عنه رسول الله وقال: «قد أذنت لك» ففيه نزلت الآية: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [30] وذهب بعضهم إلى النبي مبدين أعذارًا كاذبة ليأذن لهم بالتخلف، فأذن لهم، فعاتبه الله بقوله: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [31] وبلغ رسول الله أن ناسًا منهم يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله، فأرسل إليهم من أحرق عليهم بيت سويلم.[32] لقد تحدث القرآن الكريم عن موقف المنافقين قبل الغزوة وأثناءها وبعدها، ومما جاء من حديث القرآن الكريم عن موقف المنافقين قبل غزوة تبوك ما يتضمن استئذانهم، وتخلفهم عن الخروج، وكان ممن تخلف عبد الله بن أبيّ بن سلول، وقد تحدث القرآن عنهم فقال تعالى: لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [33] فقد بين -سبحانه وتعالى- موقف المنافقين وأنهم تخلفوا بسبب بعد المسافة وشدتها، وأنه لو كان الذي دعوتهم إليه يا محمد عرضًا من أعراض الدنيا ونعيمها وكان السفر سهلا لاتبعوك في الخروج، ولكنهم تخلفوا ولم يخرجوا، فالآية تشرح وتوضح ملابسات موقفهم قبل الخروج إلى الغزوة، وأسباب هذا الموقف. ثم حكى –سبحانه- ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من هذه الغزوة: لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . كان نزول هذه الآية قبل رجوعه من تبوك. والمعنى: وسيحلف هؤلاء المنافقون بالله -كذبًا وزورًا- قائلين: لو استطعنا -أيها المؤمنون- أن نخرج معكم للجهاد في تبوك لخرجنا، فإننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التي حملتنا على التخلف.[34] وقوله -سبحانه-: لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . قال ابن عاشور: أي يحلفون مهلكين أنفسهم -أي موقعينها في الهلك، والهلك: الفناء والموت- ويطلق على الأضرار الجسمية وهو المناسب هنا أي يتسببون في ضر أنفسهم بالأيمان الكاذبة وهو ضر الدنيا وعذاب الآخرة، وفي هذه الآية دلالة على أن تعمد اليمين الفاجرة يفضي إلى الهلاك.[35] لقد كانت غزوة تبوك منذ بداية الإعداد لها مناسبة للتمييز بين المؤمنينوالمنافقين، وضحت فيها الحواجز بين الطرفين، ولم يعد هناك أي مجال للتستر على المنافقين أو مجاملتهم، بل أصبحت مجابهتهم أمرًا ملحًّا بعد أن عملوا كل ما في وسعهم لمجابهة الرسول والدعوة، وتثبيط المسلمين عن الاستجابة للنفير الذي أعلنه الله تعالى ورسوله، والذي نزل به القرآن الكريم، بل وأصبح الكشف عن نفاق المنافقين، وإيقافهم عند حدهم واجبًا شرعيًّ.[36]


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهن ووجهاد


تخلف أبو ذر الغفاري، وأبطأ به بعيره. فقال رسول الله لفلان: «دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه». وتلوَّم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشيًا، ونزل رسول الله في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله: «كن أبا ذر» فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو –والله- أبو ذر، فقال رسول الله: «رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده".[37] ومضى الزمان، وجاء عصر عثمان، ثم حدثت بعض الأمور وسُيِّر أبو ذر إلى الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني ثم احملاني فضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر. فلما مات فعلوا به كذلك فطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة، فقال: ما هذا؟ فقيل: جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود يبكي. تعرض له أبو ذر الغفاري من الصعوبات والمخاطر أيام الغزوة التي نجاه الله منها وقواه بالصبر عليها، ولقد بذل أبو ذر جهدًا كبيرًا في المشي على قدميه وهو يحمل متاعه على ظهره حتى لحق بالنبي والمسلمين؛ لكي ينال شرف الجهاد في سبيل الله.[38][39]


ـــــــــــــــــــــــــــ

الوصول لحجر ثمود


قال أبو كبشة الأنصاري لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله فنادى في الناس: «الصلاة جامعة» قال: فأتيت رسول الله وهو ممسك بعيره، وهو يقول: «ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم؟» فناداه رجل منهم: نعجب منهم يا رسول الله، قال: «أفلا أنذركم بأعجب من ذلك؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم، فاستقيموا وسددوا، فإن الله عز وجل لا يعبأ بعذابكم شيئًا، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئًا».[40] وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إن الناس نزلوا مع رسول الله أرض ثمود، الحجر، واستقوا من بئرها، واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله أن يهريقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة وقال رسول الله: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين حذرًا أن يصيبكم مثل ما أصابهم» ثم زجر فأسرع حتى خلفها،[41] وهذا منهج نبوي كريم في توجيه رسول الله صحابته إلى الاعتبار بديار ثمود، وأن يتذكروا بها غضب الله على الذين كذبوا رسوله، وألا يغفلوا عن مواطن العظة برسومها الدارسة، وأطلالها القديمة، ونهاهم عن الانتفاع بشيء مما في ربوعها، حتى الماء لكيلا تفوت بذلك العبرة، وتخف الموعظة، بل أمرهم بالبكاء، وبالتباكي، تحقيقا للتأثر بعذاب الله. فالغابرين شهدوا المعجزات ودلائل النبوة، وعاينوا العجائب، لكن قست قلوبهم فاستهانوا بها، وحق عليهم العذاب، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون من نقمة الله وغضبه. إن الله عز وجل ما قص علينا من أنباء الأمم الخالية، إلا لكي نأخذ منها العظة والاعتبار، فإذا شهدنا بأعيننا ديارهم التي نزل فيها سخط المولى عز وجل وعذابه الأليم، وجب أن تكون الموعظة أشد، والاعتبار أعمق، والخوف من سخط المولى –سبحانه- أبلغ، ولهذا تسجى النبي صلوات الله وسلامه عليه بثوبه لما مر بالديار الملعونة المسخوطة واستحث خطا راحلته وقال لأصحابه: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، حذرًا أن يصيبكم ما أصابهم».[42]



 

رد مع اقتباس