كانت ولادتها قاسية على أمها المصابة بعجز كلوي أنهك حملها .
ولدت في ليلة شتائية ثقيلة ساكنة بيضاء باردة ، خفتت فيها المواقد ، وما فادها النفخ ومحاولة الإيقاد.
رماد بلا توهّج هو الآخر يطلب الدفء ..!
فما جُمعَ من وقود نفد تلك الليلة .
هدوء غريب ....(آهٍ) ...هل نامت الناس هل لازال بعضها مستيقظا؟..
تلتصق الأجساد... منها ما يطفيء الرغبة ومنها ما يطلب الاحتماء .. ... والقمر المتباهي البعيد؟ يرش بضيائه المساحات الأرضية بعد نهاية الحصاد فتشع القطرات الثلجية على ذؤابات عيدان الرز المقطوعة المسلوبة السنابل، محولة الليل الساكن كنهار فضي ....
على الرغم من هذا المنظر الأخاذ ، كان الم المخاض على أشده تكابده السيدة (سومة) في كوخها القصبي في جنوب العراق ...
وبعد ساعة من حضور القابلة ناقة (ناگه) ولِدتْ
نجاة بحجمها الصغير ضعيفة ، تصدر من بين شفتيها المزرقّتين بكاء خافتاً ، وصل كحلمٍ لمسامع الكلب العجوز الذي يدس انفه في القش وهو يتكّور تفاديا من الصقيع، لينبح بنباحٍ مدفون يكاد لا يُسمع ،( هفر، هفر ) ...
فتحت
نجاة عينيها التي تشبه عيني سمكة نافقة في قرار المياه ، في ظلام الكوخ يتهالك فيه بصيص قنينة زجاجية بفتيلة من بردي ، تشرب بعطش ما تبقى من زيت .
كان حينها يُسمعُ رفيفُ أجنحةٍ لأسرابِ طيورٍ ليلية مهاجرة ، وهي تلفظ من حناجرها الناعسة (قوه ، قوه) توقظ السيدة سومة بلحظاتٍ مشئومة وهي تغط بسكرة الاحتضار ...
أما هذا اليوم ، يوم
زفاف الانسة
نجاة ... جن جنونه ، كأنه يريد الثأر من تلك الليلة الزمهريرية التي ولدت فيها
الآنسة ! يوم تستعر فيه الأجواء من لظى أتون الشمس ...
وبعد لحظات يتحرك موكب العرس المكّون من سيارة بيكب وحيدة ، تعود لصاحب مصنع الطابوق الذي يعمل فيه زوجها المنتظر ...
المصانع التي تنتج الطابوق على الطريقة القديمة تقع على مرمى البصر ، تنفث دخانها الأسود من رئات كورها الموبوءة تحاكي ما يدور بيأس وامتعاض .....
سؤال يداهم خاطرها المشوش : احقا انه يوم زفافي؟ !
تردد النسوة بترجيع ممل لا ينقطع :
- (ريشة الهدهد جبناها ، ريشة الهدهد جبناها) ...
- ( طبّيت ولقيت (لگيت) خياري موش من الحشف خضراوي)...