والسّؤال المطروح: هل ورد الابتداء بالنّكرة في كلام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع أنّه خلاف أصل الكلام كما أشار النّحاة؟
الجواب: نعم! بل قد ورد الابتداء بالنّكرة في كلام العرب، وفي القرآن الكريم، قبل الحديث النّبويّ الشّريف.
فلمْ يَجد النّحاة أنفسهم إلا وقد أفرطوا في الكلام عن مُسوّغات الابتداء بالنّكرة، حتّى لا يكاد يخلو منها مُصنّف في النّحو، قد زادوا فيها ونقصوا، وقوّوا في ذلك وضعّفوا، حتّى جاء بعضهم بمسوّغات لا تثبت أمام التّحقيق الجادّ كما رأى بعض المختصّين.
قال ابن هشام: "لم يُعوّل المتقدّمون في ضابط ذلك إلا على حصول الفائدة، ورأى المتأخّرون أنّه ليس كلّ أحد يهتدي إلى مواطن الفائدة فتتبعوها، فمِن مُقلّ مُخلّ، ومِن مُكثْرٍ مورد ما لا يصلح، أو معدّد لأمور متداخلة".
وكانت مسوّغات الابتداء بالنّكرة تزيد كلّما مضى الزّمن وتقدّم، فهي عند سيبويه أربعة، وعند الزّمخشريّ خمسة، وعند ابن يعيش سبعة، وعند السّيوطيّ عشرة، وعند ابن عصفور ستّة عشر، وعند ابن عقيل أربعة وعشرون، بل أوصلها بعض النّحاة إلى أربعين، وقد نظمها العلاّمة تاج الدّين ابن مكتوم القيسيّ، فقال - كما في الأشباه والنّظائر للسّيوطيّ -:
بـها وهي إن عدّت ثلاثون بعـدهـــا *** ثلاثـتـها فـاحفـظ لـكي تتـمـهّــــــــــرا
ومـرجعها لاثـنين منها فـقـل: هــمـا *** خصـوص وتعـمـيــــــــم أفـاد وأثّـرا
فأولها الموصوف والوصف والــذي *** عـن النفي واستفهامه قد تأخــــــــرا
كذاك اسم الاستفهام والشرط والـذي *** أضيف وما قد عمّ أو جــــــــا منكّرا
كـقـولك ديـنـار لـــــدي لـقـائــــــــــل *** أعنـدك ديـنــــــــــار فـكن متـبصّـرا
كذا كـم لإخـبـــــار ومـا ليس قـابــلا *** لأل وكذا ما كان في الحصر قد جَرا
ومـا جا دعـاء أو غدا عـاملا ومــــا *** لـه سـوّغ الـتـّفصيــــل أن يـتـنـكّـــرا
وما بعد واو الـحـال جاء وفـا الجـزا *** ولـولا وما كالـفعـل أو جــا مصـغّرا
ومــا إن يتـلو في جـواب الّذي نفــى *** وما كـان معـطوفًا عـلى مـــــا تنكرا
وساغ ومخصوصًا غدا وجواب ذي *** سـؤال بأمْ والـهمـــز فاخبر لتخـبـرا
ومـا قـدمت أخبــــــاره وهي جـملــة *** وما نـحـو مـا أسخـاه في القرّ بالقرا
كـــذا ما ولـي لام ابتـداء ومـــــا غدا *** عن الظّرف والمجرور أيضًا مؤخّرا
ومـا كان في مـعـنى التعجب أو تـلا *** إذا لِفُجَاةٍ فـاحـوها تـحـوِ جـوهــــــرا.
</h3>