منتديات كلك غلا

منتديات كلك غلا (https://www.klk-gla.com/vb/index.php)
-   ๑۩۞۩๑ القصص والروايات ๑۩۞۩๑ (https://www.klk-gla.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   قصة زفاف الآنسة نجاة (https://www.klk-gla.com/vb/showthread.php?t=51729)

حكايه عاشقه 04-17-2018 02:37 PM

قصة زفاف الآنسة نجاة
 
زفافُ الآنسة نجاة ...
صوت زغاريد النسوة ونقرعلب الصفيح ينطلقُ بخجل مخنوق من بين البيوت الخامدة المتناثرة هنا وهناك ، والظهيرة القائظة تفتت صداهُ ، تلقيه في سكون الهجيرة والخواء ، لتتلاشى نغماته المرتعشة محترقة على الجدران الحجرية الساخنة.
أهازيج النسوة الشعبية تصدح بلحن غريب تبث خوفا لذيذا في قلب الآنسة نجاة وتجلو عنه شيئا من الإحراج ، وقطرات العرق الناعمة تملأ تجاعيد وجهها المطلي بأحمر الشفاه الذي داهمته الشيخوخة ...
منظر يثير الضحك والحزن معا ( ماعساها والماكياج) ؟!! ..
أصابعها التي صُبغت بالحناء بأظافرها المتآكلة وهيئتها الهزيلة جعلت بعض النسوة المخادعات الحاضرات يتغامزن باستهزاء ...
....................
اصبروا قليلا نذكر ما جرى...ولكم ان تبتسموا أو تضيقوا ...

كانت ولادتها قاسية على أمها المصابة بعجز كلوي أنهك حملها .
ولدت في ليلة شتائية ثقيلة ساكنة بيضاء باردة ، خفتت فيها المواقد ، وما فادها النفخ ومحاولة الإيقاد.
رماد بلا توهّج هو الآخر يطلب الدفء ..!
فما جُمعَ من وقود نفد تلك الليلة .
هدوء غريب ....(آهٍ) ...هل نامت الناس هل لازال بعضها مستيقظا؟..
تلتصق الأجساد... منها ما يطفيء الرغبة ومنها ما يطلب الاحتماء .. ... والقمر المتباهي البعيد؟ يرش بضيائه المساحات الأرضية بعد نهاية الحصاد فتشع القطرات الثلجية على ذؤابات عيدان الرز المقطوعة المسلوبة السنابل، محولة الليل الساكن كنهار فضي ....
على الرغم من هذا المنظر الأخاذ ، كان الم المخاض على أشده تكابده السيدة (سومة) في كوخها القصبي في جنوب العراق ...
وبعد ساعة من حضور القابلة ناقة (ناگه) ولِدتْ نجاة بحجمها الصغير ضعيفة ، تصدر من بين شفتيها المزرقّتين بكاء خافتاً ، وصل كحلمٍ لمسامع الكلب العجوز الذي يدس انفه في القش وهو يتكّور تفاديا من الصقيع، لينبح بنباحٍ مدفون يكاد لا يُسمع ،( هفر، هفر ) ...
فتحت نجاة عينيها التي تشبه عيني سمكة نافقة في قرار المياه ، في ظلام الكوخ يتهالك فيه بصيص قنينة زجاجية بفتيلة من بردي ، تشرب بعطش ما تبقى من زيت .
كان حينها يُسمعُ رفيفُ أجنحةٍ لأسرابِ طيورٍ ليلية مهاجرة ، وهي تلفظ من حناجرها الناعسة (قوه ، قوه) توقظ السيدة سومة بلحظاتٍ مشئومة وهي تغط بسكرة الاحتضار ...
أما هذا اليوم ، يوم زفاف الانسة نجاة ... جن جنونه ، كأنه يريد الثأر من تلك الليلة الزمهريرية التي ولدت فيها الآنسة ! يوم تستعر فيه الأجواء من لظى أتون الشمس ...
وبعد لحظات يتحرك موكب العرس المكّون من سيارة بيكب وحيدة ، تعود لصاحب مصنع الطابوق الذي يعمل فيه زوجها المنتظر ...
المصانع التي تنتج الطابوق على الطريقة القديمة تقع على مرمى البصر ، تنفث دخانها الأسود من رئات كورها الموبوءة تحاكي ما يدور بيأس وامتعاض .....
سؤال يداهم خاطرها المشوش : احقا انه يوم زفافي؟ !
تردد النسوة بترجيع ممل لا ينقطع :
- (ريشة الهدهد جبناها ، ريشة الهدهد جبناها) ...
- ( طبّيت ولقيت (لگيت) خياري موش من الحشف خضراوي)...

(أي ان جمالها كريشة الهدهد وحلاوتها كأجود التمور المسمى خضراي يكثر في البصرة)..!

تنشج الأهازيج بسأمٍ.. لو كان لديها لسان لقالت: انهوا حفلكم هذا فما بالي وإحزانكم وأفراحكم ...؟!
كان التحضير يجري للزفاف ....زفاف يشبه تقديم أضاحٍ بشرية في عهد قذفته الأزمان في متاهات النسيان او إلقاء هدية لأله البحر . هدية بشرية لا أهمية لها في جو يلفه الخنوع والاستسلام ..
في شرق بغداد تجثم هذه البيوت الحجرية وقاطنوها الذين اتو من الجنوب تاركين بيوت القصب، ( قصب النايات المهشمة) ..
كان( نوحي ) العريس الذي لايمتلك بيتا ولا عائلة ، ينتظر على مضض موكب العروس.. وللتو انهى عمله، وعلى كوفيته وشرواله رسوم لطين فهو لم يشارك في جلب العروس ...يماثل بهيئته لص محترف ....
موكب الزفاف يتجه الى منطقة الكور السقرية ....وصفها كغابة من اعمدة تشرق الدخان والنار ..
دخل الموكب بالفعل ساحة القتال من اجل لقمة العيش ..
نتسائل اين هي الجنة من هذا الجحيم؟!
اهدى صاحب المعمل ل(نوحي) جزاه الله سقيفة، يتخذها سكناً
فارغة بلا اثاث سوى من بساط.....
الشمس في تلك الإثناء لملمت خيوطها المشتعلة مولية ، تلهث، تلقي بنفسها في بحار الغروب ، وسعال الشاعول ( قح ، قحم )يبعثر الغبار وهو يديم النار بالزيت الاسود الديزل منشغل غير آبه ..فلا مظاهر لعرس في هذا المكان
بقي من شارك بالدق والرقص هناك .. ادوا ماعليهم ورجعوا الى بيوتهم ناسين مراسيم العرس والزفاف ! ..
عتمة الليل وغيوم الدخان جللت السقيفة بغربة باكية متناغمة مع انقشاع الحصران القصبية بزوبعة هواء ساخنة ...
عشاء العريسين لم يسلم هو الاخر من التلوث اذ انسكب نصفه على البساط ...
وبين هذا وذاك حدثت اشياء غير معتادة ....ثمة هناك وفرة من السعادة ممزوجة بمعاناة مزمنة وشعور جميل لايمس القلوب الا نادرا ....
بعدم تصديق اطلقت نجاة ضحكات خفيضة (كه ، كنه ، كه ) ...رمى نوحي على اثرها غطاء راسه جانبا ..
وربما حدث شيء آخر .....! :)


ملحوظة:( الحشف التمر اليابس او مايعرف بالشيص الغير مكتمل النضوج المراد هنا انها تمر ناضج حلو وليس شيصا) هذه الاهزوجات قديمة في العراق تردد في الأعراس من قبل النسوة....محمد



All times are GMT +3. The time now is 04:26 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
adv helm by : llssll
new notificatio by 9adq_ala7sas
دعم وتطوير نواف ا

This Forum used Arshfny Mod by islam servant