المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دوامه


حنين الماضي
07-15-2011, 01:09 AM
دوامة



أوراق الخريف الصفراء تتساقط على رأسها من تلك الشجرة التي تتفيأ ظلالها، أناملها الصغيرة التي مزجت معها كل براءة الطفولة؛ أخذت تجمع الأوراق الجافة في حجرها وتسحقها بيديها كما تسحق الأيام أحلامها وبراءتها.
عاشت هديل تحت ظل الشجرة المورقة بالحكايات اليومية، تشاهد وترقب العرض المسرحي المعتاد، أولاد الحارة يلعبون في الشارع ، بائع الأيسكريم يمد صوته البارد، بقالة الحي تفتح حلوياتها للأطفال، متجر الأحذية يباغت المارة بين الحين والحين.. مشاهد متكررة ترقبها مع دميتها الأثيرة إلى قلبها (لولو)، تعلق عليها بصمت مطبق، ثم تسرح في يومياتها المدرسية المريرة ، ومشهد تلك الطالبة السمراء ذات الظفائر الطويلة وتلك العينين السوداوين و الوجه الدائري البريء الملامح تلك الطفلة البالغة من العمر عشرة أعوام و الإخفاق الدراسي المتكرر هو السمة الملازمة لها ، فهي لاتزال في الصف الأول الأبتدائي، تحاول التقدم، لكن صوت مديرة المدرسة مابرح يقول لوالدتها ذات يوم بأنه سوف يتم تحويلها لبرامج التربية الخاصة إذا رسبت هذا العام،وأيضاً يمتد صوت معلمة الفصل ويموج في داخلها دائماً بالتأنيب و الضجر.
في عز تواتر لحظات التأمل، ترتمي كرة اللعب إلى جوار خلوتها، تعاين نظرات الأولاد بحنان وأمومة، تحملها لهم بفرح يرغب المشاركة وتبادر خالداً؛ هل العب معكم؟ يقطب حاجبيه ويخطف منها الكرة، تبتلع مرارتها وتنصرف ككل يوم، فأبناء الحارة ممن هم في سنها لا يحبون اللعب معها دائما ينعتونها بالبلهاء. طفولة هديل لا تعي معنى هذه الكلمة جيدا، ولكنها كرمح حاد قاتل يصيب قلبها في الصميم، وتعود لصديقتها الوحيدة-لولو- تضمها إلى حضنها وتبث لها الهموم و الشكوى. وذات يوم توقفت لحظة خروجها من المدرسة عند محل بائع الأحذية في الحارة- سالم – على أثر مناداته لها وابتسامته ونظراته التي لا تفهم معنى لها! هو الوحيد الذي تأنس بوجوده كثيرا، بالأمس أيضا تبسم لها وأعطاها شكولاته وبادرها بقوله كيف حالك هديل؟ و اليوم يربت على كتفيها ويهمس في اذنها بكلمات تبتسم لها وتجري مسرعة للبيت..... إلى جدتها وحكايات الأناشيد و الحضن المفقود!
تسترخي على الأريكة لتشاهد التلفاز وتلتهم العديد من قطع الشكولاته لتذيب في حلاوتها كل مرارة وقسوة الأيام عليها،.. تفأجا بصيحات من أمها: لا تأكلي الكثير من الشكولاته لقد غدوت سمينة اكثر مما يجب، هيا انهضي لحل الواجبات المدرسية، يسري في قلبها إحباط الحياة، ثم تنهض بكسل لغرفتها، تلملم بعض أوراقها وتجلس بجوار أخيها ماجد، الذي يطلب منها ان تحضر كأسا من الشاي، فتنهض مسرعة وفي لحظة ارتباك ورهبة أسقطت الكأس في حضنه. يعج المكان بصرخات عالية، سيل من الشتائم وكلمات؛ انت لا تنفعين لشي أبدا انت بلهاء!
تخرج وتلقي بنفسها تحت الشجرة الوارفة... اضطراب اجتاح كيانها، و الأفكارأخذت تبحر بها في عالم أخر. ترى سالما،...أه إنه هو بعينيه الضيقتين وشعره الأشعث وبشرته السمراء وقميصه المنفوش باللون الأزرق وبنطال الجنز الضيق، يقف على باب المتجر ويدخن، ترمقه بفرح وتتجه نحوه وتحييه، يمسك بيدها برفق ويضعط عليها ويدخل للمتجر تبادره: سالم أعطني حذاء جديداً ألبسه في المدرسة.
يخرج حذاء رماديا زين بشرائط حمراء يسألها: مارأيك في هذا الحذاء؟ إنه جميل جدا..هو لك..ولكن ليس اليوم ..في مساء الغد سوف أقدمه على شكل هدية!
- إذا دعني أجربه..
- لا، سوف ألبسك الحذاء!
تجلس على الكرسي.. يتحسس رجليها.. ويلبسها الحذاء.
- إنه جيد.
- موعدنا مساء الغد إذا!
تعود للمنزل وفي قلبها الصغير باقات من الأماني للغد المنتظر وفي اليوم التالي تجلس مع غروب الشمس على العتبة في انتظار الحذاء يقبل سالم بسيارته الخاصة، وهو في أبهى حلة وأناقة، تبادر: أين الحذاء؟
- يشير أن سنذهب معاً لإحضاره، تركب هديل السيارة، وهو يفكر في تغليف الهدية!

ريم الغلا
08-10-2011, 11:55 PM
قصهـ في قمهـ الروووعـــهـ
يسلموو غاليتي
تميزت وتعودنا ان نرى مميزكِــ

تقبلي مروري المتواضع